Featured Post

كيف يتخلص الإنسان من ذنوب الخلَوات؟

كيف يتخلص الإنسان من ذنوب الخلَوات؟ السؤال: ما المقصود بـ " ذنوب الخلوات " ؟ وكيف يستطيع الإنسان التخلص منها ؟ . ولدي استفسار ...

Tuesday, July 29, 2014

رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ

ü  )
{وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفرقان: 74]
الشعراوي (ص: 6493)
هذه صفة أخرى من صفات عباد الرحمن ، يطلبون فيها أمرين { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [ الفرقان : 74 ] والذرية لا تأتي إلا بعد الزواج؛ لذلك جاء الدعاء للأزواج ، ثم للذرية .

وكلمة { قُرَّةَ } [ الفرقان : 74 ] تُستعمل بمعنيين ، وفي اللغة شيء يسمونه ( عامل اشتقاق ) يعني : يشتق اللفظ من معنى عام ، وقد يختلف معناه ، لكن في النهاية يلتقيان على معنى واحد .
وكملة ( قُرَّة ) تأتي بمعنى اللزوم والثبات ، من قَرَّ في المكان يعني : لزمه وثبت فيه ، وتأتي بمعنى السرور؛ والقُرُّ يعني أيضاً : شدة البرودة ، كما جاء في قول الشاعر :
أَوْقِدْ فإنََّ اللْيلَ لَيْلُ قُرٌ ... والريحَ يَا غُلامُ ريحُ صُرّ
عَلَّ أنْ يَرى نَارك مَنْ يمرُّ ... إنْ جلبتْ ضَيْفاً فأنتَ حُرّ
فالقُر : البرد : والقرور : السُّكون ، والعين الباردة : دليل السرور ، والعين الساخنة دليل الحزن والألم ، على حَدِّ قول الشاعر :
فَأمَّا قُلوبُ العَاشِقِينَ فأُسخنَتْ ... وأمَّا قُلوبُ العَازلين فقرَّتِ
لذلك يكنُون ببرودة العين عن السرور ، وبسخونتها عن الحزن ، يقولون : رزقني الله ولداً قرَّتْ به عيني ، ويقولون : أسخن الله عين فلان يعني : أصابه بحُزْن تغلي منه عينه .
ولأن العين جوهرة غالية في جسم الإنسان فقد أحاطها الخالق عز وجل بعناية خاصة ، وحفظ لها في الجسم حرارةً مناسبة تختلف عن حرارة الجسم التي تعتدل عند 37ْ ، فلو أخذتْ العينُ هذه الدرجة لانفجرتْ .
ومن عجيب قدرة الله تعالى أن تكون حرارة العين تسع درجات ، وحرارة الكبد أربعين ، وهما في جسم واحد .
فالمعنى { قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [ الفرقان : 74 ] يعني : اجعل لنا من أزواجنا ما نُسَرُّ به ، كما جاء في الحديث الشريف عن صفات الزوجة الصالحة : « ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيراً له من زوجة صالحة : إنْ أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرَّته ، وإن أقسم عليها أبرَّته ، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله » .
وهَبْ لنا من ذرياتنا أولاداً ملتزمين بمنهج الله ، لا يحيدون عنه ، ولا يُكلِّفوننا فوق ما نطيق في قول أو فعل؛ لأن الولد إنْ جاء على خلاف هذه الصورة كان مصيبة كبرى لوالديه ، بدليل أن الرجل قد يسرف على نفسه بأنواع المعاصي ، وقد يُقصِّر في حق الله ، لكن يحزن إنْ فعل ولده مثل فِعْله .
فالأب قد لا يصلي ، لكن يحثُّ ولده على الصلاة ، ويفرح له إنْ صلى واستقام ، لماذا؟ لأنه يريد أن يرى وأن يُعوِّض ما فاته من الخير الجمال في ابنه ، ولا يحب الإنسان أن يرى غيره أحسن منه إلا ولده ، لأنه امتداده وعِوَضه فيما فات .
وإنْ أخذنا { قُرَّةَ أَعْيُنٍ } [ الفرقان : 74 ] على أنها بمعنى الاستقرار والثبات ، فالمعنى أن تكون الزوجة على خُلُق وأدب وجمال ، بحيث تُرضِي الزوج ، فلا تمتد عينه إلى غيرها ، وتسكن عندها لأنها استوفت كل الشروط ، ومن ذلك قوله تعالى : { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ } [ الحجر : 88 ] .
وكذلك إنْ وجد صفات الخير والأدب والجمال في أولاد بحث لا تمتد عينه إلى أكثر من ذلك؛ لأنه يرى في أولاده كُلَّ تطلعاته ، وكل ما يتمناه ، فلا يتطلع إلى غيرهم؛ لذلك حين يمدحون . يقولون : فلان لم يَعُدْ عنده تطلعات ، لماذا؟ لأنه حقَّق كل ما يريد .
ويقولون في المدح أيضاً : فلان هذا قَيْد النظر ، يعني : حين تراه تسكن عنده عينك ، ولا تتحول عنه لجماله وكمال صفاته .
والولد حين يكون على هذه الصورة ، يريد والديه في الدنيا وفي الآخرة؛ لأنه ولد صالح لا ينقطع بِرّه بوالديه لموتهما ، إنما يظل بارّاً بهما حتى بعد الموت فيدعو لهما . وفي الآخرة يجمعهم الله جميعاً في مستقر رحمته : { والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الطور : 21 ] .
وهكذا كله في الأزواج وفي الأولاد هبة ومنحة من الله .
ونلحظ أن بعض الأزواج يعيشون مع أزواجهم على مَضَض ، وربما على كُرْه تحملهم عليه ظروف الحياة والأولاد واستقرار الأسرة ، فإنْ قلتَ للزوج : إن زوجتك ستكون معك في الجنة يقول : كيف ، حتى في الآخرة؟! وهو لا يعلم أن الله تعالى سيُطهِّرها من الصفات التي كرهها منها في الدنيا .
قال سبحانه : { لِلَّذِينَ اتقوا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ } [ آل عمران : 15 ] .
ويقول سبحانه : { إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ * هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأرآئك مُتَّكِئُونَ } [ يس : 5556 ] .
وقول تعالى : { واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } [ الفرقان : 74 ] نلحظ أن الدعوة هنا جماعية ، ومع ذلك لم يقُلْ أئمة ، وذكر إماماً بصيغة المفرد ، فلماذا؟
قالوا : لأنه تعالى يُنبِّهنا إلى أنّ الإمام هو الذي يسير على وَفْق منهج الله ولا يحيد عنه؛ لذلك إنْ تعددتْ الأئمة فهُمْ جميعاً في حُكْم إمام واحد؛ لأنهم يصدرون عن رب واحد ، وعن منهج واحد لا تحكمهم الأهواء فتُفرِّقهم كالأمراء مثلاً . فجمعهم في القول من كل منهم على حدة ووحدهم في الإمامة .
ثم يقول الحق سبحانه عن جزاء عباد الرحمن : { أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ }
النكت والعيون (3/ 211، بترقيم الشاملة آليا)
قوله تعالى : { . . . رَبَّنَا لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ } فيه وجهان :
أحدهما : أجعل أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ، قاله الكلبي .
الثاني : ارزقنا من أزواجنا ومن ذرياتنا أعواناً { قُرَّةَ أَعْيُنٍ } أي أهل طاعة تقر به أعيننا في الدنيا بالصلاح ، وفي الآخرة بالجنة .
وفي قرة العين وجهان :
أحدهما : أن تصادف ما يرضيهما فتقر على النظر إليه دون غيره .
الثاني : أن القرّ البرد فيكون معناه برّد الله دمعها ، لأن دمعة السرور باردة .
ودمعة [ الحزن ] حارة ، وضد قرة العين سخنة العين ، قاله الأصمعي .
{ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً } فيه خمسة أوجه
: أحدها : أمثالا ، قاله عكرمة .
الثاني : رضاً ، قاله جعفر الصادق .
الثالث : قادة إلى الخير ، قاله قتادة .
الرابع : أئمة هدى يُهْتدى بنا ، قاله ابن عباس .
الخامس : نأتم بمن قبلنا حتى يأتم بنا من بعدنا ، قاله مجاهد .
وفي الآية دليل عل أن طلب الرياسة في الدين ندب .